الاثنين، 17 يناير 2011

مفهوم الاصلاح والتجديد


الاصلاح والتجديد
يقتصر الحديث في الآونة الاخيرة عن الاصلاح بثنائية في منتهى التبسيط والإفقار، تقوم على أساس التساؤل هل إن الاصلاح داخلي ام خارجي، ولعل هذا التساؤل افاد النظام العربي الرسمي كثيراً لجهة تأجيل قيامه بإصلاح داخلي جدي وحقيقي،





على اعتبار ان الضغط الخارجي الذي يمارس عليه يمنعه من بلورة رؤيته للإصلاح، كما انه (النظام العربي) يربط بين الاصلاح وبين ضمان «الاستقرار» وتكاد تكون الكلمة السحر او المفتاح في فهم التحولات السياسية الجارية، فمصطلح «الاستقرار» يرافق وفاة أي زعيم عربي، كما وجدناه مع وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد منتصف عام 2000 ومع وفاة الرئيس ياسر عرفات. فيكثر التكلم عن أولوية الاستقرار وضمانته، فمثل هذا التفكير يراه رضوان زيادة في كتابه «تحديات الإصلاح في العالم العربي» مركز الراية 2006، يتخيل الاستقرار على انه سكون تام في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية يحقق لها مصالحها، والخروج عن هذا السكون ذاته يشكل تهديداً للاستقرار، وعندها يصبح الاستقرار بمعناه هذا شبيهاً بالمعنى المقصود من الاستبداد. حيث الشمولية والهيمنة على مفاصل الحياة جميعها.

الإشكاليات الفكرية التي يشتغل عليها الخطاب العربي المعاصر محدودة ومحصورة بعدد قليل من القضايا كما يراها – زيادة – فمنذ اشتغاله في ثنائيات مثل الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، والشورى والديموقراطية، والإسلام والغرب، ومفهوم العقلانية واللاعقلانية، وغيرها نلحظ ان احد طرفي هذه الثنائيات كان دائماً مستنسخاً من الفكر الغربي في سياق تطوره التاريخي، وأحياناً تكون الإشكالية نفسها منقولة من الفكر الغربي، ويطلب من الفكر العربي الاشتغال عليها، كما يحدث الآن مع تيار ما بعد الحداثة، اننا لو حصرنا عدد هذه الاشكاليات لوجدناه ضئيلاً، وينتهي بعدد محدود جداً على رغم مرور اكثر من قرنين على بداية دخول العالم العربي صدمة الحداثة، إلا أن الخطاب العربي دائماً ما كان يعيد ويجدد قوله في هذه القضايا، ولا يخف الجدل حولها إلا بعد انقضاء الزمن التاريخي الذي يرافق ظهورها، دون ان تكون هذه الاشكاليات قد وصلت الى حالة من النضج الفكري والمعرفي الذي يمكّنها من الاستفادة من القضايا المتشابكة والمتداخلة، هذا ما يفسر حجم التكرار الذي اصبح يشتغل عليه الخطاب العربي المعاصر، وعدم قدرته على توليد اشكاليات جديدة، ولذلك كان الرهان يخفق دائماً مع العديد من المفكرين والمثقفين العرب، الذين يطرحون يومياً عدداً كبيراً من المقالات والكتب، بما يفرض علينا إعادة النظر في التركيبة البنيوية وآليات التفكير التي يقوم عليها الخطاب العربي بحيث يعجز عن إثارة قضايا تحمل سمة الجدة المعرفية ويقتصر دوره على المشاركة في النقاش الدوري حول إشكاليات غربية بامتياز كما حصل مع الوضعية المنطقية والوجودية وما بعد الحداثة وغيرها.

تأتي اهمية الإصلاح الديني من حجم تأثير الاسلام الطاغي على ثقافة المنطقة العربية، التي تبدو للكثير من المتابعين، عصية على التغيير وكل محاولات التحديث والدمقرطة ليست إلا عملية تجميلية، لم تدخل الى عمق ثقافة سكانها، الامر الذي دفع الكثير من السياسيين الى ربط عملية الاصلاح السياسي المطلوب إجراؤها بالإصلاح الديني المتعثر حصوله. ولذلك طالب الكثير من المفكرين بالربط بين الاصلاح الديني والإصلاح السياسي على اعتبار «انه لا يمكن تحقيق تجديد الخطاب الديني دون الشروع في اصلاح سياسي شامل يشيد دعائم دولة ديموقراطية تؤمن بالتعددية وتحمي الحريات العامة، وحرية الفرد وحقه في التفكير والاختيار، الذي من دونه لا تتوافر حرية البحث العلمي. كما ان تجديد الخطاب الديني لن يؤتي ثماره المرجوة من دون إصلاح ثقافي مجتمعي ينطلق من الإيمان بنسبية المعارف، وبحقوق البشر في الحوار والمساواة، وفك الارتباط بين السلطات السياسية المستبدة، وبين الفكر الديني المتجمد او المتخلف او المتطرف» هذا ما جاء في اعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني، آب (اغسطس) 2003. هذا الربط بين المشروعين الاصلاحيين الديني والسياسي لم يقتصر على المثقفين العرب فحسب، بل ان الكثير من المتابعين الغربيين اصبح لا يرى امكانية للإصلاح الديني من دون عملية اصلاح سياسي شامل، وعلى حد تعبير فيليب بورينغ «فإن المحافظة السياسية هي السبب الأبرز في تعويق التطوير اكثر من الدين».

لم يعد يكفي في رأي برهان غليون ان نطالب بتجديد الخطاب الديني او رؤيتنا الى الاسلام، وإنما اصبح من الضروري ايضاً، وربما من اجل تجديد هذه الرؤية ذاتها، تجديد رؤيتنا للمفاهيم التي كنا نعتبرها، مفاهيم جاهزة وناجزة ومشغولة، ولا تحتاج منا الى اعادة مناقشة او تحديد بل تجديد، نعني مفاهيم العلم والعقل والعلمانية والقومية والحداثة والحضارة والتطور وغيرها من المفاهيم التي تكاد تحكم تفكيرنا جميعاً اكثر من الدين في هذه الحقبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق